إن الغاية
الأولى، والهدف الأسمى من صيام رمضان، إعداد القلوب للتقوى ومراقبة الله،
إعداد القلوب لخشية الله، فالصوم يجعل القلوب لينة رقيقة، يجعلها وجلة حية
ذات شفافية وحساسية
فالصوم
يوقظ القلوب، والإسلام لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات، إنما يعالجهم
بمخاطبة الضمير، ويقودهم بالتقوى، ومراقبة الله. ومن أعظم ثمار الصيام: صقل
النفوس وترقيق القلوب وتربيتها على تقوى الله وخشيته. يقول القسطلاني
معدداً لثمرات الصوم وذكر منها: "رقة القلب، وغزارة الدمع، وذلك من أسباب السعادة؛ فإن الشبع مما يذهب نور العرفان، ويقضي بالقسوة والحرمان " .
فالصيام
فيه كسر للنفس، وتخلية القلب للذكر والفكر، والصيام يضيق مجاري الدم التي
هي مجاري الشيطان من ابن آدم، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم،
فتسكن بالصيام وساوس الشيطان، وتنكسر سورة الشهوة والغضب. إذاً فلا تحرم
نفسك حقيقة الصيام، فليس رمضان إمساكًا عن الطعام والشراب فقط، وسجودًا
وركوعًا، والقلب هو القلب قاس عاص، غافل لاه.
الغناء
يطرب الآذان، وللعينين أُطلق العنان، وفي اللسان كذب وغيبة، وسب ولعان،
وفي البيع والشراء غش وربا، فأف لنفوس لم يهذبها الجوع، ولم يدربها السجود
والركوع، فالصيام تدريب للنفوس، وتعويد لها على الصبر وترك الشهوات، يدخل
رمضان ويخرج وهي هي لم تتغير، يجوع ويعطش وقلبه هو قلبه، ومعاصيه هي
معاصيه، يركع ويسجد، ويسهر ويتعب، وحاله هي حاله، ولسانه هو لسانه، نعوذ
بالله من حال هؤلاء، فلو قيل لأهل القبور تمنوا، لَتمنوا يوماً من رمضان،
وهؤلاء كلما خرجوا من ذنب دخلوا في آخر. يا هؤلاء! إلى متى فأنتم في رمضان،
شهر التوبة والغفران، يا هؤلاء! أنتم في شهر تغلق أبواب النيران، وتفتح
الجنان، وتصفد الجان، فدونك نفسك أيها الإنسان. يا هؤلاء لقد سُلسل
الشيطان، وخمدت نيران الشهوات بالصيام، فانعزل سلطان الهوى، وصارت الدولة
لحاكم العقل بالعدل، فلم يبق للعاصي عذر، ها نحن في رمضان فيا غيوم الغفلة
عن القلوب تقشعي، ويا شموس التقوى والإيمان اطلعي، يا صحائف أعمال الصائمين
ارتفعي، ويا قلوب الصائمين اخشعي، يا أقدام المتهجدين اسجدي لربك واركعي،
ويا ذنوب التائبين لا ترجعي، يا أرض الهوى ابلعي ماءك ويا سماء النفوس
اقلعي، يا خواطر العارفين ارتعي، ويا همم المحبين بغير الله لا تقنعي، قد
مدت في هذه الأيام، موائد الإنعام للصوام، فما منكم إلا من دعى: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ فطوبى لمن أجاب فأصاب، وويل لمن طرد عن الباب وما دُعي .
أخروا
السحور، فهو السنة التي أمركم بها نبيكم ، وفي هذا فضائل، ولو لم يكن سوى
إدراك لحظات السحر لكفى، فلا تفوتك فهي أجمل الأوقات، وتذوق فيها حلاوة
المناجاة لله، فلها أثر عجيب على النفس لا يمكن أن تجده في غيره من الأوقات
منقول .